إنضم لنا

header ads

الفكر الاجتماعي لدى مالك بن نبي




الفكر الاجتماعي لدى مالك بن نبي

مقدمة
لقد ساهم العمل الاستقصائي العلمي في دفع المعرفة الاجتماعية الثقافية والجغرافية بالبلاد الجزائرية لذا ساهم الفكر التبشيري المسيحي منذ شارل دي فوكو في بلاد الهقار و غيره في كافة المناطق ، كما ساهم البحث الانترولوجي والاستشراقي، في تطوير هذه المعرفة وتدجين الأهالي في فكر جديد ، واستطاع أن يدخل بيوت الجزائريين ويستأنس لهم وهذا الطريقة الخيرية و الإنسانية التي صبغت على هذه البعثات ، بينما كانت الأرجل المسلحة تقتل في الجبال والكهوف.
المواجهة الصريحة
يقول مالك بن نبي: الأدب الاستشراقي له أثار سلبية ، وطنها رد أثار وهمية تتمثل في التعريف بالفكر الإسلامي ولكنها ضارة أكثر منها نافعة وذلك لأننا لا تعالج شقاوة لمجتمع برواية أمجاده الماضية ، وهو بذلك يربي مجامع على تذوق العجائب عوض أن يعلمه الفعالية...........( .)
وبذلك فهو نوع من الصراع الفكري تم خلقه لبلبلة الأفكار لأن هذا قد وجهه الاستعمار بمواقف متكيفة جدا ، إذ أتى بحلول خاطئة للمشاكل زادوه توغلا في الأخطاء وإذا أتى الجزء من الصواب فإنهم سيبذلون قصارى جهدهم من أجل إبعاد هذا الجزء أو من أجل إبطال مفعوله وبصفة خاصة إذا كان له علاقة بجزئية الأفكار أو بنهضة العالم الإسلامي.
لأن المستعمر طوال سياسته التوسعية، كان دارسا لكافة المتغيرات ،" فقد كلف المستشرقين بخلق تلك الغرائبية في التاريخ الإسلامي حتى يبهر المستعمر- بفتح الميم- المغلوب بهويته وماضيه ...."( )، وبذلك فهو يخفي عليه واقعه المر المعاش إضافة إلى الروح البربرية والفينيقية والفرعونية والتقدمية والبهائية بصرف النظر على الواقع وخلق دويلات ( ). وذالك للترعيب او التعنيف او التعنيف و الخداع ، وهذا رغم ما كان من تفتح بعض المثقفين من العرب المسلمين على علوم وثقافة الغرب" مثل ما فعل الطهطاوي والجوهري في مصر حيث يعتبرهما بن نبي أنهما قدما عملا تكديسيا إمتثاليا مكررا بهدف إعادة إنتاج للواقع فقط ، وليس تمثلا راعيا للتاريخ لتفكيك الواقع ، فمجتمع ما بعد الموحدين ، يجب نقده حسب نبي نبي وقراءة التاريخ بصورة جدية تقريبا للأمل....".( ). لأن القراءة الحداثية الجديدة المدركة لمتراكمات التاريخ وقوة الرأسمال الرمزي الذي خلقه تقارب العيش بين التجمعات العربية الإسلامية ، هي الحل لمواجهة الفكر التدجيني الكولونيالي العصري الذي استعمل كافة الطرق النفسية والاجتماعية للاحتواء و الاستلاب والتي منها:
- بدائية: قتل وتشريد ، اعتداء
- علمية: بعلوم عصرية مع ضغط وإغراء
وكل ذلك يهدف خلق صراع يتوجه نحو الفكر من أجل تجميد مفعوله الرمزي المتراكم ، أو تدنيسه أو شله أو تحويله عن هدفه أو إدماجه في مصلحة الاستعمار أو إفراغه من معانيه. كما طبقت طريقة التجزئة في الفكر أو جعلها مثالية مجردة غير عملية أو عزلة عن المجتمع وإقصاءه عن مجال الاتصال( ).
لذلك كانت الطرق العلمية أساليب هادئة سليمة مبنية على التعايش بهدف كولونيالي ، واستطاع تقديم عملا راقيا مثل ازدواجية الدلالة في الثقافة العربية ، مما سهل إنجاز مشروع قائم بذاته مؤرخ اللغة عبر العصور. لذلك وجدنا غاردي وبيرك ، كوهن ، ولوكنت ، يعرضوا عملا عصريا مدهشا حول المدونة اللغوية حيث مجالا معقدا غير مدروسا ، كما قدموا دراسات في الثقافة البربرية واللغة الأمازيغية مما جعلها أكثر كتابة.

مالك بن نبي والمثقف البنائي:
ونكشف عن أحد أسرارها التي كشفها ابن نبي و استقصى أصولها و فروعها أل و هي قضية الصراع الفكري الذي هو مفروض على العالم المتخلف اليوم كما فرض عليه في عهد الاستعمار.و ليكن انطلاقنا و أساسنا هو كتابة الصراع الفكري في البلاد المستعمرة – بالفتح – و الذي هو خلاصة تجارب خاصة واقعية عاشها المؤلف في حياته و خاض معاركها و تناقضاتها.
إن أشد الأفكار إثارة و أكثرها عمقا إن له نقل خلاصة تحليلية للصراع الفكري في البلاد المستعمرة هو أن الصراع الفكري مسرحية يلعب أدوارها كل من الشعب أو لفكرة المجردة و الاستعمار و قد تكون الفكرة المجردة في مرحلة أولى عبارة عن فكرة متجسدة و هذا ما يعمل الاستعمار على بلوغه و الوصول حتى يتسنى إمكانية القضاء على الأفكار المضادة له لأن "الفكرة المتجسدة" أسهل و أقرب إلى الاستعمار و إلى وسائله الجهنمية لدفنها و مجرد آثارها أما إذا تحولت هذه الفكرة إلى مرحلة "مجردة" فإنها ستصبح في يد الشعب المستعمر و تدخل في وعيه و ضميره و يتعلق بها و تشكل احد مبادئه و أهدافه.
و إذا كانت المسرحية تحتاج إلى مشرفين و تقنيين فإنه لاشك أن الاستعمار هو مخرجها و منفذيها و صاحب السيناريو و صاحب البث و الإرسال على شاشة التاريخ المرئية كما يكون لها الفنيين اللازمين للإضاءة و الديكور و الكوافير و عند بداية عرض المسرحية سنجد أن الاستعمار سيلقي الضوء على أحد جوانب المسرحية دون الجانب الآخر الذي يسبب له حرجا و موقف سلبي أمام جمهور المتفرجين الذين يغمرهم بأضواء كاشفة حتى يصبحوا في حالة تنويم مغناطيسي و تتحول أمامهم المسرحية إلى أشباح و ألعاب صبيانية لا يركز عليها كثيرا. و هكذا يدخل "مبدأ الغموض و الابهام" حيز التنفيذ حتى لا يكتشف الجمهور حقيقة الأمر و الأهداف المرسومة لتلك المسرحية المصطنعة. و طالما أن ثنائية المستعمر – المستعمر تتطلب أدوات الربط و التنسيق فإننا نجد أن أسلوب القهر أو القسر أو الخداع النفسي أو الفكري أو الإيديولوجي هو واسطة هذه العلاقة المفروضة ، يتوضح لنا أن الهدف هو تجميد لوضع و المحافظة على نمط من الحياة و الواقع الاجتماعي و الثقافي السائد في مرحلة معينة.
أما إذا أتى دور الناقد و الواعي المتخصص في مجال المسرحيات الاستعمارية و تاريخها فإنه سيجد أمامه ركاما من الأساليب و التقنيات و المخططات التي يجب وضعها تحت المجهر. و بالتالي يتوضح لنا أن الصراع الفكري في البلاد المستعمرة و حتى في البلاد المتخلفة كما نشاهد اليوم هو أسلوب استعماري محض يتخذ من "مبدأ الغموض و الفعالية" تطرق لفرض رؤيته و تصوره للحياة و الطبيعة و المجتمع بما يمكن أن نسميه – الضغط الإيديولوجي- و لنزيد الأمور توضيحا يجب أن نوضح معنى هذين المبدأين
أولا: إن مبدا الغموض الذي يبقه الاستعمار على مسرحية الصراع الفكري هو نفسه ما يطبقه على الحياة الاجتماعية الراضخة تحت قواعده و مسلماته. فهو حسب هذا المبدأ لا يكشف عن نفسه في المعركة التي يخوضها الشعب المستعمر فهو دائما يستخدم أو غالبا قناع القابلية للاستعمار" التي هي تخدم مصالحه و يفرض وجوده على أرض غير أرضه و قوم غير قومه و يرى فيها العامل السيكولوجي و الإيديولوجي الذي يبيح مشروعية وجوده لأنه حامل للحضارة الحديثة و التقنيات المعقدة و صاحب الروح العلمانية المتخلصة من رواسب الفكر اللاهوتي و الميتافيزيقي.
ثانيا: في مجال آخر نجد أن الاستعمار يركز على جانب آخر من مشروعه الاستعماري و الثقافي حيث نراه يدعم أفكاره و يحيطها بشباك من حديد لا يزعزعه إلا من كان في مستواه أو أكثر منه كما يجهد نفسه لإيجاد الطرق و الأساليب الناجحة لكي ينشر ثقافته و أفكاره بدون أن يصبها خلل فني أو داخلي حتى تحقق له مآربه الاستعمارية الهادفة إلى طمس و مسخ حضارة يدنسها بقدميه. و لكي تكون مخططاته أكثر فعالية فإنه يستخدم طريقة "فرق تسد" بين التنظيمات الاجتماعية و الثقافية حتى يفكك الوحدة الشاملة و المواجهة المتكاملة من طرف كل الفئات الشعبية و لنخبة المثقفة و الواعية بسير الأمور و اتجاهها الحضري. و في هذه النقطة نجد مالك بن نبي يقول "إن أكبر لحظات التاريخ هي دوما للحظات التي تتكون فيها وحدة كفاح شاملة ضد الطبيعة أو ضد البشر" الصراع. ص 40
و عندما يحثث الاستعمار تفكيك المضادة له ينحدر المستوى الإيديولوجي في البلاد الخاضعة حيث يتحول "العلو الإيديولوجي" إلى هبوط إيديولوجي أي انفصال في الوحدة الروحية و الثقافية و بالتالي يسهل له القضاء على الوحدة الاجتماعية و الحضارية للشعب.و هكذا نجده يحقق مبدأين أساسيين من مشروعه الثقافي و الاستعماري الهادف.و إذا كان الاستعمار لا يمكنه كشف نقابه في المعركة حسب خططه فإنه يتخذ لعبة المنديل الأحمر كطريقة تحويل الأنظار و الاهتمام إلى مواقع لا تمسه . فنجده يستخدم أسلوب الإثارة و التمويه لإجهاد و إضعاف الخاضعين له حتى يفقدوا وعيهم و يصبحوا في حالة تنويم شاذة.
و حسب هذه الخطط الاستعمارية فإنه يقتضي من العمل المتواصل و الجد الحقيقي لفك هذه الرموز و هذه الثنائيات و العلاقات و الأفكار الجادة التي قدمها بن نبي إلى الفكر العربي و الإسلامي و حتى العالمي. ان النظرية العامة لابن نبي تنم عن وجود ميولات و اتجاهات حول الثقافة و الفكر و اساليب الر و المقاومة و التواصل مع الاخر ام بطرق اندماجية او انعزالية او تعاقدية حسب الانسجام الاجتماعي و رؤية البعيد و القريب و توحد المصلحة الوطنية بالمفهوم العام لذي يمكن الجماعة من بلورة الفعل و وضع استراتيجيته من خلال نزعات محتلفة



مصدر القابلية للاستعمار عند مالك بن نبي:
يعتبر المفكر مالك بن نبي أن ظاهرة القابلية للاستعمار هي ظاهرة اجتماعية ونفسية يهتم بها علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع وبذلك فهي تركيب ثنائي من المحيط والرواسب الداخلية للشخص، وقد قام الاستعمار بخلقها بذكاء خارق، حيث ركب جهاز الكف أو مرآة الحرمان، لذلك كون أنظمة من النفوس البشرية راضية بالواقع .والحل المفيد لذلك هو تعديل الكف لأنه وجد ضده لدى الدوائر الاستعمارية. حيث تقوم عناصر الاستعمار بتأسيس هيئات بشرية ومادية تتوجه نحو عناصر محددة لكي يحتويها ويحملها في ظلاله ،
وهذا مايمكن أن نسميه ، استقطاب أفقي يمارس الاجتذاب وللتعايش القائم على الروح الإنسانية المغطى بالتطوير الحضاري والتحديث البنائي و التدوير المصلحي .مما يجعل عضو البلاد المستعمرة طرفا متفرجا على لعبة يسميها بن نبي « لعبة الظل» عناصرها، المخرج، والممثل والضوء، والمتفرج ، وكأنها مسرحية هادئة.
فالمستعمر يركب جهاز مضاد، تكرسة الأفكار والمعاملات المدروسة بكل أحكام لإفشال الأفكار المضادة له.وهذا كنتيجة أن القابلية للاستعمار هي رضى النفس على الواقع ابتدع الاحتلال مسوغاته و مسهلاته ومظللاته للتغطية و التعميم .
وتنصب هذه الأجهزة على العلاقات الاجتماعية والحياة الشخصية والأفكار السائدة لدى الأفراد والجماعات، مما يجعل الخطاب المباشر بين الأشخاص والهيئات خطابا باردا نحو الاستعمار فيتحول المتكلم والكاتب والمحاور ناطقا ضد مواقفه وقيمه المعروفة والسابقة التي تكونت عبر قرون بالتوارث الأخلاقي والثقافي.
بهذا نجد أن هناك " إيحاء " من نوع خاص يقوم به الاستعمار بالممارسات الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية مما يخلق صراعا مع الأفكار المحلية كما تفشل القيم الأجنبية نظريتها الداخلية، ورغم أن الأفكار كما يرى بن نبي لها حصانة ومناعة خاصة ، إلا أنها كما يرى كذلك تخضع لعملية قوية من طرف المستعمر وهي جد ممنهجة، يساعد هذا الواقع الغالب والفكر المعصرن... لذا نجده يقول :« إن الشيء الذي يتكفل حصانة دائرة أفكار معينة ، هو في الحقيقة قيمة أخلاقية تشترط النظافة وتفرضها في كل الظروف ، وقيمة فكرية تجعلنا نميز بين الغث والسمين '( )
وفي محاولة لتبرير ذلك وتكريسه واقعيا، هو يرى « إن الأفكار لا تتمتع في المجتمع الإسلامي بقيمة ذاتية ، تجعلنا ننظر إليها كأس المقومات الاجتماعية – كقوة أساسية تنظم وتوجه قوى التاريخ كلها، وتعصمها من محاولات الإحباط مهما كان نوعها ») ( حيث يساهم العامل الزمني دوره من خلال مرحلة – الطور قبل الاجتماعي – الذي يعيشه المجتمع، وهو في وضعية طفل لم يصل إلى الوعي الكامل ولا وعي للأفكار ومساراتها واتجاهاتها ومقاصدها . ففي هذه المرحلة لا يجد ذاكرة المجتمع حافظا لها، فتصبح الأفكار بدون مسوغ ولا مبرر، ويكون المجتمع غير مسوؤل عن ذلك.
لذا فالاستعمار ينشأ مركب من الأفراد، يتحكم في سياستهم وخططهم ومشاريعهم وأفكارهم، لأن السياسة عند الاستعمار علم وفن له قواعد ومبادئ ومقاييس وليست عقلية بل عاطفية ذاتية.ويقول) ( « ... أساس نجاحه في هذه المهمة هو ما تتضمنه نفسية الشعوب بصفة عامة ، من ميل طبيعي نحو « السهولة » لذا نجد عنده شعارات ( الاستعمار- الامبريالية - الوطنية) في طرق خلق السهولة وتساعد لتهيئة الجو المناسب للاستعمار الفعلي. فمصطلح استعمار هو مصطلح كولونيالي .، إن القابلية للاستعمار هي تجنيد قوى فكرية ونفسية وخلق معارك وهمية بين الأفراد والاستعمار مثل معارك أخرى ضد قرارات غير مهمة . بالتالي يصبح الفرد المستعمر في وضعية إيجاد ذاتي او بحث عن الذات او حالة بلور جديد للشخصية ، حادث بفضل التأثير الخارجي، حيث يتكون لديه رد فعل لا يلائم مقدرة الاستعمار على التلاعب الذي يجعل المستعمر في حالة ضعف وفقدان وعي من خلال لعبة المنديل الأحمر ، مثل الثور الإسباني بالإضافة إلى تحويل الموضوع ، وتقديم العطاء المادي لتجميد الوضع ، مما يجعل مستوى الرضى مرتفعا اتجاه الإستعمار.
فكرة القابلية للاستعمارفي مثال :
خلقت حضارة أوروبا فكرا جديدا وطرقا حديثة في الحياة واستخدام الإمكانيات الطبيعية والإنسانية والعقلية.لذا إن هناك تطور وتدعيم في فلسفة الأرقام والكميات وقيمها ، الشيء الذي حول البشر إلى أشياء وسلع خاضعة للطلب والعرض، فانهارت القيم الاجتماعية وأصبحت الحياة مادية ، فقدت التوازن الروحي المادي. حيث أصبحت أوروبا بالمقابل تتنفس تحت ضغط علم الأشياء المتراكمة بقدر ما تراكمت الإمكانيات الحضارية ( )
إن هذه النزعة المادية المنفعية، تحولت إلى نمط ثقافي وتربوي يقيم نفسه على النهب والتسلط والقهر، " ولا يحسن طريقة العيش توازن البيئة وبين غيره في علاقات سياسية وثقافية واجتماعية عاد لة "( ) تبعا للنزعة الكمية التي جعلت حتى الطفل يبحث عن حظه في الحياة والمستقبل ،لا البحث عن رسالته ودوره الحيوي في البناء والحضارة وبالعكس تبني الطفل الأوروبي الفكر البرغماتي النفعي الطفيلي الذي يعيش على كاهل ثروة المستعمرات والريع المجاني السهل .
إن التطبيع للاستعمار يمرره الآباء إلى أبنائهم حتى يتكون لديهم عقلية التمركز الأوربي ، وخط سير الحضارة من أثينا إلى روما ثم باريس، بدون الإشارة إلى حضارة الإسلام والعرب ولا حضارة الفراعنة ولا مابين التهرين وكان ذلك حتى قبل النظريت الجضارية الحديثة لما بعد القرن 19و خاصة الاحيائية و التحدي بينما سقطت الماركسية في الوحل الكولونيالي بعد تعليقات ماركس على الشرق من خلال كتابه عن الجزائر .
لذا لا يوجد فكر وفلسفة وعلم بين أرسطو وديكارت ،سوى الفراغ ( ).إذن هناك جنابة على التاريخ وتزويد الحقائق وعنصرية تساهم في خلق سلوكات مشابهة في الواقع وتحويل فكر الآخرين وتشويش عقائدهم .وهذه التصورات تحولت حقيقته إلى طريقة مبرمجة بذكاء لسلب مضاره الآخرين وسلبهم من هويتهم .
وزيادة على هذه الطريقة يحاول الاستعمار أن يجعل في كل قاعدة أخلاقية وسلوكية وطقوسية محلية، شاذة وغريبة عن الحضارة والمدنية. ومنها تزوير المفاهيم وخلق في مكانها أساليب جديدة وصيغ أخرى تتناسب مع فكر الاستعمار ومدونته الاديولوجية لكي تتوافق مع عقيدة السيادة المشتركة ( ) التي تجعل الجزائر فرنسية تحت غطاء التحضير ونشر المدنية والتكنولوجيا الحديثة ، مما يكلف الاستعمار إنتاج مدراء على الأهالي، يعملون على وصايتهم كأنهم قاصرين لأنهم حالات شاذة. أي هناك استراتيجية للاستهاء و الاستغواء و الا حتواء و الادماج النفسي و الوجودي للفرد الجزائري ضمن فلسفة أخرى غريبة . لذا ساء المنهج الاستعماري على الحياة، الذي حول القضايا إلى هيئة أمم تخدم الدول الكبرى ورغم الفارق بين سياسة كل دولة استعمارية، إلا أن بن بني يرى في ذلك خداعا غير مرئيا حيث أن التيار الماركسي لا يختلف عن تيار الرأسمالي، لأن الماركسية تهدف إلى جعل الفرد المستعمر من الأهالي والمتعلمين زبناء وخدم لهذا الفكر، حيث تعتبر تلك الفلسفات وسيلة ووسيط لزرع الاستعمار السياسي والفكري ، وهنا يلجأ إلى تبرير واقعي رآه مائلا في حكم الاشتراكيين في فرنسا عهد الثورة والحركة الوطنية حيث لا فرق بين ذا وذاك.حيث الوعي الجديد المغلف بالعدالة وحقوق الانسان هو الذي غلب في شعاراته .
بالإضافة إلى ذلك يقوم الاستعمار بتصدير الأفكار والنظريات ويجعل له أبواق من الأهالي والعملاء بعد دراسته المجتمعات الضعيفة وفهم العلاقات الاجتماعية السائدة بين بنياتها وفهم عناصر العقيدة التي يسللها، فقام بتشويشها وخلق البلبلة في نصوصها ومعانيها ويحول الشواذ قواعد ( ). وذلك في مقابل جهلنا بالاستعمار وثقافيته وطقوسه، مما جعله يتحكم في المواقف الوطنية والدينية بدون وعينا.
لقد ساهم البحث الاستشرافي في فهم آليات العقل العربي الإسلامي في الجزائر وبالتالي استطاع خلق غمامة أوروبية على هذا الفكر وهذا التطبيع العقلي والأخلاقي والعلمي مما ساعد على خلق اغتراب فكري لدى المستعمرات الشرقية، وأصبح الشرقي لا يأخذ تاريخه وثقافته أولا من خلال نوافذ غربية مما خلق انفصام في الشخصية العربية والإسلامية .وبالتالي تم في وجه أخر تشويش الموقف الديني ،لان الدين مفتاح النجاح لبلاد الشرق.من خلال القيم والعلاقات التي يفرضها و خاصة خلق الأمان و الاستقرار و الترابط وعلى ذلك قام بخلق جهاز رقابي على مراكز الدين وعناصر الدعاية والمحافظة عليه، وتعليمه من خلال القرآن ونصوص الفقه والحديث والفتوى، بينما كان يشجع فتح مراكز اللهو والانحراف والجمعيات المسيحية وقد استولى حتى على أمال الاوقاف و الحبوس وأملاكها العقاري البائسة التي لاتغني أحدا .لمجرد ابتزاز المقاومة .
ومنها خلق المدرسة الاستعمارية لنشر ثقافته وفلسفته الاحتكارية والرأسمالية أحيانا و الاشتراكية أحيانا أخرى ، ولكن يجعل المستعمر عبيدا وآلات في يد الكولون ، كما يخلق جماعة تفهم ثقافته وتسييره لتوجهاته فهو قام بإخراج« ....الترتيبات الخاصة بتلويثه الأخلاقي يزيد الإفقار والتلوث معا في اتساع الهوة التي يجعلها أمام – القاصر- حتى لا يستطيع بلوغ رشده ابدا » ( ) ،لان الإسلام احد عناصر المقاومة والمناعة الذاتية للجزائري والمسلم من الانحلال والتميع.ويرفع قيمة الهوية و الوعي بالذات المحلية .
من هنا يبرز لنا المخطط الاستعماري القائم على الإغراء والإغواء والتأليب الجماهيري على الوطنيين ، وإفشال فاعلية الفكر التحرري المقاوم بالاستلاب وإفراغ الميداني الوطني من العناصر النافذة علما وثقافة.لقد ساهمت نظرية الكم والأرقام، في إنجاح الاستعمار 132 سنة ، حيث أن الرقم معيارا أو مقياسا تقويميا، يصادر حق الإنسان في جانبه الفكري والعقلي يصادر نبوغه وابتكاره( )
وبذلك وجد المثقف المسلم مشدودا أمام لغة الحضارة التقنية الرقمية الدقيقة،وأصبح ببغاءا يردد ماسمع فقط بدون تعقل و لا وعي .ولا تمارس التعديل ولا التبديل، بل الاجترار. هكذا رفضوا لتراث العلمي الأسلوبي .وقبول كل ما يستورد من الغرب وتقمص عقلية تكديسية استهلاكية،لا تبعد ولا تجدد ولا تتأمل في منتجات الغرب لكي يستفاد منها بذكاء علمي، لقد كان ذلك كله عن حالة عصر مابعد الموحديين( ) التي تمثل عهد الاستعمار والاستكانة وفشل المقاومة الحربية والفكرية والسياسية. بينما فعل المقاومة سلوك يخلقه ظروف جديدة تحرك نقلة نوعية في العلاقات والأخلاق،عندما يسفر( القاصر) بكرامته واستيعابه للدرس الكونونيالي مقابل إدراك للاستعمار أن القاصر الشرقي كان تحت تنويم و تقميص و اعادة بناء للشخصية ،رغم أنها موجودة منذ قرون قبل الاسلام ثم ترسخت بعده ، و الحال أنه اندمج و لم يذب فأصبح راشدا ودخل الصراع الحضاري.
لذا فهل نحن متيفظون و الواقع أمامنا و المتغيرات متسابقة تضرب خبظ عشواء فكرا و ممارسة و الاستلاب يأخذ بعقولنا من خلال الفلسفات العربية الملبسة بالأوجه الناقدة .











إرسال تعليق

0 تعليقات